فصل: تفسير الآيات (82- 83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآيات (82- 83):

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}
ولو عَرَفَ عِزَّتَه لَمَا أقسم بها على مخالفته.
ويقال تجاسُرُه في مخاطبة الحقِّ- حيث أصَرَّ على الخلاف وأقسم عليه- أَقْبَحُ وأَوْلى في استحقاق اللعنة من امتناعه للسجود لآدم.
قوله جلّ ذكره: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقََّ أَقُولُ لأَمَلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وختم الله سبحانه السورة بخطابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ}.
ما جئتكم من حيث أنا، ولا باختياري، وإنما أُرْسِلْتُ إليكم.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني القرآن، عظة لكم.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} وعُلِمَ صِدْقُه بعد ما استمرت شريعتُه، فإن مثل ذلك إذا كان باطلاً لا يدوم.

.سورة الزمر:

.تفسير الآية رقم (1):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
أي هذا كتابٌ عزيزٌ نَزَلَ من ربِّ عزيز على عبدٍ عزيز بلسان مَلَكٍ عزيز في شأنِ أَمةٍ عزيزة بأمرٍ عزيز. وفي ورود الرسولِ به من الحبيب الأول نزهةٌ لقلوب الأحباب بعد ذبول غصن سرورها، وارتياحٌ عند قراءة فصولها.
وكتابُ موسى في الألواح التي كان منها يقرأ موسى، وكتابُ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم نَزَلَ به الروحُ الأمينُ على قلبِ المصطفى صلوات الله عليه , وفَصْلٌ بين من يكون كتابُ ربِّه مكتوباُ في ألواحه، وبين من يكون خطابُ ربِّه محفوظاً في قلبه، وكذلك أمته، قال تعالى: {بَلْ هُوَ ءَايَاتُ بَيِّنَاتٌ في صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}
أي أنزلنا عليك القرآن بالدين الحق والشرع الحق، وأنا مُحِقٌّ في إنزاله.
والعبادة الخالصة معانقة الأمر على غاية الخشوع، وتكون بالنَّفْس والقلب والروح؛ فالتى بالنفس فالإخلاص فيها التباعد عن الانتقاص، والتي بالقلب فالإخلاص فيها العمى عن رؤية الأشخاص، والتي بالروح فالإخلاص فيها التنقِّي عن طلب الاختصاص.

.تفسير الآية رقم (3):

{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)}
قوله جلّ ذكره: {أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقْرِبُونَا ِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
الدين الخالص ماتكون جملته لله؛ فما للعبد فيه نصيب فهو من الإخلاص بعيد، اللهم أن يكون بأمره؛ إذا أَمَرَ العبدَ أن يحتسب الأجرَ على طاعته فإطاعته لا تخرجه عن الإخلاص باحتسابه ما أمره به، ولولا هذا لَمَا صحَّ أَنْ يكونَ في العَالَم مُخْلِصٌ.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ...} أي الذين عبدوا الاصنام قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، ولم يقولوا هذا من قِبَلِ الله ولا بأمره ولا بإذنه، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم، فَرَدَّ اللَّهُ عليهم. وفي هذا إشارة إلى أن ما يفعله العبد من القُرَبِ بنشاطِ نَفْسِه من غير أن يقتضيه حُكْمُ الوقت، وما يعقد بينه وبين الله مِنْ عقودٍ ثم لا يَفِي بها.. فكل ذلك اتباعُ هوًى، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27].
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كّاذِبٌ كَفَّارٌ}.
لا تَهديهم اليومَ لدينه، ولا في الآخرة إلى ثوابه. والإشارة فيه إلى تهديد مَنْ يتعرَّض لغير مقامه، ويدَّعي شيئاً ليس بصادقٍ فيه، فاللَّهُ لا يهديه قط إلا ما فيه سَدادُه ورُشْدُه. وعقوبتُه أَنْ يَحْرِمَه ذلك الشيءَ الذي تصدَّى له بدعواه قبل تَحققِه بوجوده وذَوْقِه.

.تفسير الآية رقم (4):

{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}
خاطَبَهم على قَدْرِ عقولهم وعقائدهم حيث قالوا: المسيحُ ابن اللَّهِ، وعُزَيْرُ وَلَدُ اللَّهِ؛ فقال: لو أراد أن يتَّخِذَ وَلَداً للتبنِّى والكرامة لاخْتَارَ من الملائكة الذين هم مُنْزَّهون عن الأكل والشرب وأوصاف الخَلْقِ.
ثم أخبر عن تَقَدُّسِه عن ذلك فقال: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} تنزيهاً له على اتخاذ الأولاد.... لا في الحقيقة لاستحالة معناه في نَعْتِه، ولا بالتبنِّي لِتَقَدُّسِه عن الجنسية والمحالات، وإنما يذكر ذلك على جهة استبعاد،؛ إذا لو كان ذلك فيكف كان يكون حُكْمُه؟ كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].

.تفسير الآية رقم (5):

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)}
قوله جلّ ذكره: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِ}.
أي خَلَقَهما وهو مُحِقٌّ في خلقهما.
{يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكّوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى}.
يُدْخِلُ الليلَ على النهارِ، ويدخل النهارَ على الليل في الزيادة والنقصان، وسَخَّرَ الشمسَ والقمرَ. وقد مضى فيما تقدم اختلافُ أحوالِ العبد في القبض والبسط، والجَمْع والفَرْق، والأخذ والرد، والصحو والسُّكْرِ، ونجوم العقل وأقمار العلم، وشموس المعرفة ونهار التوحيد، وليالي الشَّكِّ والجَحْدِ ونهار الوصل، وليالي الهجر والفراق وكيفية اختلافها، وزيادتها ونقصانها.
{أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}.
العزيز: المتعزِّز على المحبين، الغفار: للمذنبين.

.تفسير الآية رقم (6):

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}
[النساء: 1] يعني آدم وحواء.
{وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ} أي خلق لكم، {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} فمن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المواشي اثنين.
{يَخْلُقُكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ}: أي يصورِّكم، ويُرَكِّب أحوالكم.
{فِى ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ}: ظلمة البطن، وظلمة الرَّحِم، وظلمة المشيمة. ذَكَّرَهم نسبتهم لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم.
ويقال بَيَّنَ آثار أفعاله الحكيمة في كيفية خِلْقَتِك- من قطرتين- أمشاجاً متشاكلةَ الأجزاء، مختلفة الصُّوَرِ في الأعضاء، سَخَّرَ بعضَها مَحَالَّ للصفات الحميدة كالعلم والقدرة والحياة , وغير ذلك من أحوال القلوب، وسَخَّرَ بعضها مَحَالَّ للحواش كالسمع والبصر والشَّمِّ وغيرها.
ويقال هذه كلها نِعَمٌ أنعم اللهُ بها علينا فَذَكَّرَنا بها- والنفوسُ مجبولةٌ، وكذلك القلوبُ على حُبِّ مَنْ أحسن إليها- استجلاباً لمحبتنا له.
{ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّكُمْ...} أي إن الذي أحسن إليكم بجميع هذه الوجوه هو ربُّكم. أي: أنا خلقتكم وأنا رزقتكم وأنا صَوَّرتُكم فأحسنت صُورَرَكم، وأنا الذين أسبَغْتُ عليكم إنعامي، وخصصتكم بجميل إكرامي، وأغرقتكم في بحار أفضالي، وعرفتكم استحقاق جمالي وجلالي، وهديتكم إلى توحيدي، وألزمتكم رعايةَ حدودي فما لكم لا تَنْقَطِعون بالكلية إليَّ؟ ولا ترجون ما وَعَدْتُكم لديَّ؟ وما لكم في الوقت بقلوبكم لا تنظرون إليَّ؟

.تفسير الآية رقم (7):

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
إنْ أعرضتم وأَبَيْتُم، وفي جحودكم تماديتم.... فَمَا نَفْتَقِرُ إليكم؛ إذا نحن أغنياء عنكم، ولكنّي لا أرضى لكم أن تبقوا عني!
يا مسكين.... أنت إنْ لم تكن لي فأنا عنكَ غنيٌّ، وأنا إن لم أكنْ لك فمن تكون أنت؟ ومَنْ يكون لك؟ مَنْ الذي يُحْسِنُ إليك؟ مَنْ الذي ينظر إليك؟ من الذي يرحمك؟ من الذي ينثر الترابَ على جراحِك؟
من الذي يهتم بشأنك؟ بمن تسلو إذا بَقِيتَ عنِّي؟ مَنْ الذي يبيعك رغيفاً بمثاقيل ذهب؟!.
عَبْدي... أنا لا أرضى ألا تكونَ لي وأنت ترضى بألا تكون لي! يا قليلَ الوفاء، يا كثيرَ التجنِّي!
إن أطَعْتَنِي شَكَرْتُك، وإن ذكَرْتَنِي ذكرتُك، وإن خَطَوتَ لأَجْلي خطوةً ملأتُ السمواتِ والأرضين من شكرك:
لو عَلِمْنا أنَّ الزيارةَ حقٌّ...... لَفَرَشْنَا الخدودَ أرضاً لترضى

.تفسير الآية رقم (8):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}
قوله جلّ ذكره: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً}.
إذا مَسَّه ضُرٌّ خَشَعَ وخَضَع، وإلى قُرْبه فزع، وتملَّق بين يديه وتضرع. فإذا أزال عنه ضُرَه، وكفاه أمرَه، وأصلح شغْلَه نَسِيَ ما كان يدعو إليه من قبل، وجعل لله أنداداً، فيعود إلى رأس كفرانه، وينهمك في كبائر عصيانه، ويُشْرِكَ بمعبوده. هذه صِفَتُه..... فَسُحْقاً له وبُعْداً، ولِسَوف يَلْقى عذاباً وخِزْياً.

.تفسير الآية رقم (9):

{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}
قوله جلّ ذكره: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الأَخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِهِ...}.
قانتاً: القنوتُ هو القيامُ، وقيل طول القيام. والمراد هو الذي يقوم بحقوق الطاعةِ أوقاتَ الليل والنهار؛ أي في جيمع الأوقات.
والهمزة للاستفهام أي أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟ أمن هو قانت كالكافر الذي جرى ذِكْرُه؟ أي ليس كذلك.
ويقال القنوتَ القيامُ بآداب الخدمة ظاهراً وباطناً من غير فتور ولا تقصير.
يَحْذَرُ: العذابَ الموعودَ في الآخرة، ويرجو: الثوابَ الموعودَ. وأراد بالحَذَرِ الخوف.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتّذَكَّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ}.
أي هل يستويان؟ هذا في أعلى الفضائل وهذا في سوء الرذائل! {الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}: العِلْمُ في وصف المخلوق على ضربين: مجلوبٌ مُكْتَسَبٌ للعبد، وموهوبٌ مِنْ قِبَل الربِّ. ويقال مصنوع وموضوع. ويقال علمُ برهانٍ وعلمُ بيان؛ فالعلومُ الدينية كلُّهَا برهانية إلاَّ ما يحصل بشرط الإلهام.

.تفسير الآية رقم (10):

{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
أطيعوه واحذروا مخالفةَ أمره. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هَذِهِ الدُّنْيَا} بأداء الطاعات، (والإحسان هو الإتيان بجيمع وجوه الإمكان).
{وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ}: أي لا تَتَعَلَّلوا بأذى الأعداء؛ إِنْ نَبَأ بِكُم منزلٌ فَتَعَلُّلُكم بمعاداة قوم ومَنْعِهِم إياكم- لا يُسْمَع، فأرضُ اللَّهِ واسعةٌ، فاخْرُجُوا منها إلى موضع آخر تتم لكم فيه عبادتُكم.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بَغَيْرِ حِسَابٍ}. والصبر حَبْسُ النَّفْس على ما تكرهه. ويقال هو تجرُّعُ كاسات التقدير من غير استكراهٍ ولا تعبيس.
ويقال هو التهدُّفُ لسهام البلاء.

.تفسير الآيات (11- 12):

{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)}
قوله جلّ ذكره: {قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}.
مضى القولُ في معنى الإخلاص. وفي الخبر: إن الله يقول: «الإخلاص سِرٌّ بين الله وعَبْدِه».
ويقال الإخلاصُ لا يُفْسِدُه الشيطان ولا يطَّلِعُ عليه المَلَكَان.
{أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} في وقتي وفي شرعي. والإسلامُ الانقيادُ لله بكل وجه.

.تفسير الآية رقم (13):

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)}
أخاف أصنافَ العذابِ التي تحصل في ذلك اليوم.

.تفسير الآيات (14- 15):

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
هذا غاية الزجر والتهديد، ثم بيَّنَ أن ذلك غاية الخسران، وهو الخزي والهوان. والخاسِرُ- علىلحقيقة- مَنْ خَسِرَ دنياه بمتابعة الهوى، وخَسِرَ عُقُباه بارتكابه ما الربُّ عنه نَهَى، وخَسِرَ مولاه فلم يستح منه فيما رأى.